رصيف الحياة

موضوع: رصيف الحياة الخميس فبراير 23, 2012 4:14 pm

رصيف الحياة

حكاية غريبه سمعتها اول يوم لينا فى الميدان صاحبها تشوفوه نحت الزمن على وشه كل اوجاع الحياة كان هادى ساكن وابتدى يحكى واحنا من حوليه بنسمع ابتدى وفى عنيه حزن كبير احكيلكم من البدايه لكن انا مش فاكر البدايه فتحت عنيا لقت نفسى فى الشارع بيتى كل رصيف او كوبرى انام تحته معرفش غير اسمى هلال ومعرفش اذا كان هو ده اسمى اللى اتولدت بيه ولا الشوارع هى اللى سمتنى كنت امشى فى الشوارع اتفرج على الاطفال من سنى بيلعبوا ويمرحوا ويجروا وليهم اب وام عينهم خايفه عليهم يشتروا ليهم الهدوم واللعب والاكل وانا مكنتش اعرف غير الشارع ايام يكون حنين عليا وايام اشوف الموت بعنيا من كوبر ى لكوبرى من رصيف لرصيف كنت ابص من حوليا الاقى زى كتير بس حالهم يحير فيهم اللى هرب من اهله واللى هرب من جوز امه او مراة ابوه كل واحد فيهم ليه قصة شكل ولون فيها عذاب او كره واختار انه يعيش فى الشارع احسن ما يرجع للذل لكن انا كان نفسى فى بيت حتى لو كنت هاتعذب كل يوم نفسى يكون ليا ام واب يضربنى علشان خايف عليا او يقولى رايح فين او جاى متاخر ليه كانت بتلف بيا الايام وكل يوم شغله شكل مره امسح العربيات ومره ابيع مناديل علشان اجيب حق سندوتش فول او طعميه وايام كتيره ابات ليلى من غير عشاء كبرت شويه شويه ومدرستى كانت الحياة كل يوم تعلمنى حاجه جديده اتعلمت الجوع اتعلمت الصبر اتعلمت يعنى ايه فقر ويعنى ايه غنى واتعلمت انى مفيش حد يهمه احنا مين او ليه عايشين او بيعتبرونا من الاموات اشباح عايشه وسط غابه الحياه الكل يشوفنا نصعب عليه بس عمره ما فكر الحل لينا ايه كبرت وللاسف من غير احلام لانى كل يوم زى اللى قبله زى اللى من سنين فاتت كملت عشر سنين لما حصل معايا اغرب حاجه فى حياتى كنت ببيع فل وياسمين فى جنينه شافنى واحد بيه محترم رحت عليه اتفضل يا بيه والنبى تشرى منى عشان خاطر النبى تاخد منى كلام بنحفظه ونردده كل يوم ضحك وقالى انت مش سنك صغير بتشتغل ليه فين امك وابوك بصيت ليه ومش عارف اجاوب اقول ايه هما عايشين ولا ماتوا طيب ولو هما عايشين هما فين وسبونى ليه للحياة تنهش فيا مش بترد ليه اصلى معرفش انا فتحت عنيا لقيت نفسى فى الشارع وقعدت احكى ليه عن اللى بشوفه كل يوم والجوع والفقر اللى انا فيه قلت ممكن يحن عليا بقرشين اتعشى بيهم النهاردة ايه رايك انت اسمك ايه هلال يا بيه بص يا هلال ايه رايك تيجى تعيش عندى فى القيلا تراعى للجنينه مع الجناينى وتاكل وتشرب وتنام فى مكان امان هو الاحلام اللى عمرى ما حلمتها ممكن تتحقق ويكون فيه اربع حيطان انام بينهم وكمان اكل لا اكيد ده فعلا حلم ولازم اصحى منه وحتى لو مش حلم هو فيه فى الزمن ده ناس بالطيبه دى ايه يا هلال مش عاوز ترد ليه لا اصلى مش عارف اذا كنت بحلم ولا لا على فكره انا اسمى قاسم عايش لوحدى فى الفيلا ومعايا الخدم بس

...................... يتبع

وطفل زيك ممكن يعمل صوت ونور للحياة فى الفيلا وفقت وركبت معاه العربيه وانا خايف بس هخاف منه ليه لا فلوس ولا اى حاجه ملكى حتى حياتى كل يوم فى خطر وبتعرض للموت فى كل لحظه وصلنا للفيلا لا ده قصر ولا فى الاحلام دى بتعتك يا بيه قولى يا عمو قاسم بلاش بيه ده بيتك يا عمو ولاده قصر دخلنا بالعربيه فتح الباب الجناينى الباب كانت فيه جنينه اكبر من اى حديقه شفتها او بعت فيها كان فى الفيلا معاه الجناينى عم على راجل صعيدى تحس برجولته وشهامته والطباخ عم فتحى راجل شايب شعره كله وتخين شويه والمسئول عن البيت عم عثمان اسمرانى رفيع وكلهم كانو طيبين عرفنى بيهم وقالهم ده هيعيش معاكم ويساعدكم فى الشغل واى حاجه انتم عايزينها بس خلوا بالكم منه حسيت انى لاول مره الدنيا بتضحك ليا خدونى لاوضه فى الجنينه فاضيه فيها سرير ودولاب انت عتنام هنا هلال واحنا جنبك كل واحد فى اوضه زيها انا هنام بين اربع حيطان وكمان على سرير لو كنت حلمت عمرى ما كنت هحلم بكده ابدا لانى ساعتها هاقول على نفسى مجنون اصحى الصبح بدرى اورح اصحيهم واساعد عم على فى الجنينه اسقى الورد ونقلم الشجر واجرى بسرعه اساعد عمى فتحى فى المطبخ واساعد عم فتحى فى التنظبف وفى تحضير الفطار وكان قاسم بيه انسان عطوف حنين كان بيعملنى زى ابنه الصغير كنا نقعد بالليل كلنا فى الجنينه احكى ليهم عن مغامراتى فى الشارع وايه كل يوم بعمل واللى بتعرض ليه فى حياتى قعدت مع عم على مرة وسالته على قاسم بيه هو عايش ليه لوحده كده كان قاسم بيه متجوز ومعاه ابن وحيد عايش بره مصر ابن من مصغره هو معذب ابوه بعد مااطلقت امه اللى هى اصلا مش من هنا من خارج مصر كانت عايشه هنا واتجوزها وخلفت يوسف لما كبر وبقى شاب كان قاسى على قاسم بيه وكانت كل يوم خناقات بينه وبين مراته فطلقها واخدت ابنها وسافرت ومن يومها بيجى الابن كل سنين طويله زيارة ويوسف ده انسان متكبر جدا وبيخلى الدنيا فى قلق لما ياجى حتى البيه بيزعل من تصرفاته لكنه ابنه ومرت عليا اسعد ايامى يوم وراء يوم وسنه وراءها سنه وقاسم بيه كان عطوف جدا عليا وحنين مع الكل حبيت الرجل ده اكتر من ابويا اللى عمرى ما شفته او عرفته كنا زى عيله صغيره فى دنيا جميله بس مش عارف رغم كل ده كنت خايف لتكون الدنيا بتخدعنى كبرت فى رعاية الناس الطيبه دى كنت كل يوم بتعلم منهم الكتير وصلت لسن العشرين فى الفيلا دى وكنت بساعدهم كلهم من غير كسل وكان قاسم بيه بيدينى مرتب كويس خالص عمرى ما حلمت انى امسكه فى يدى واعتبرت نفسى واحد من الناس الطيبه دى لكن اتارى الزمن مخبى ليا كتير ما هو زمن العجايب

يتبع

تعب فجاة قاسم بيه تعب شديد خفنا كلنا عليه على الانسان الطيب اللى الحب فى قلبه لكل انسان كلنا سهرنا عليه وكنا بندعى ربنا يشفيه والحمد لله ازمة وعدت وابتدى يخف شويه شويه ويتحسن ووصل ابنه من بره تتخيلوا طول المدة اللى قعدتها فى الفيلا عمرى ما شفته اول مره اشوف انسان متعجرف بالصورة دى بيتكلم عربى مكسر لابس دهب فى ايديه وعلى صدره سلسله دهب كان بيعملنا على اننا عبيد عنده كلامه كل امر وشخط ومش عارف ليه كان كرهنى من اول مشافنى كان حاسس بحب ابوه ليا وعطفه وحنيته عليا ولما شافنى قالى انت اللى ديما بابا بيحكى عنه ما انت اهو عادى لا واقل من العادى ايه فيك علشان كل ما اكلمه يحكى عنك قعد اسبوع خلى كل حياتنا نار وجحيم وابوه لا حول ولا قوة التعب مخليه ديما نايم واحنا مش عايزين

نتعبه ونحكى ليه لحسن يتعب اكتر معرفتش ايه اللى سمعه عنى بالظبط او سبب كرهه ليا اللى عرفته بعدين انه كان خايف انى ابوه يكتب حاجه ليا من كتر عطفه وحنيته عليا واخد جزء من الثروة منه مش عارف هو سمع الكلام ده من حد او هو احساس وخوف منه فحب يتخلص منى بصورة نهائية ودبر خطه محكمه للتخلص منى ويشوه صورتى قدام ابوه فى فجر الجمعه كنت نايم مهدود من التعب سمعت صوت خبيط جامد على الباب بتاع اوضتى يا ترى فيه ايه خير ان شاء الله فتحت الباب بسرعه قلت يمكن قاسم بيه تعبان ولا حاجه فتحت الباب بسرعه فوجئت بظابط ومعاه عساكر ويوسف بيه معاهم واقفين قدام الباب قلى انت هلال قلت ايوه فيه حاجه يا بيه قالى وهو بيبعدنى عن الباب هنشوف وشاور للعساكر انهم يفتشوا الاوضه قعدوا يقلبوا فى الاوضه وانا مش فاهم فيه ايه بيدورو على ايه بالظبط الكل فى الفيلا صحى واقفين مش عارفين برضه فيه ايه بالظبط والظاهر انى يوف بيه هو اللى مبلغ وهما بيفتشوا طلعوا كسين فيهم بودره بيضاء بين هدومى اللى فى الدولاب قالى الظابط ايه ده قلت والله ما اعرف ايه هو ده ولا ايه جابه وسط هدومى قالى تعالى معانا هتعرف عندنا كل حاجه ليه انا عمرى ما عملت حاجه غلط انت بتاجر فى المخدرات يا هلال لا يا بيه انا طول عمرى بحب الحلال ومش اعرف حاجه عن المخدرات دى دى تلبس فى اوضتك وسط هدومك استغليت انك متدارى فى الفيلا هنا وكنت بتوزع فى السر يالرغم من شهادة عم على وفتحى وعثمان بامانتى وطيبتى وانى اخلاقى عاليه وعمرى ما اعمل كده لكن يوسف بيه شهد بالعكس قال انه لما وصل مصر يطمن على ابوه سمع من ناس انى بتاجر فى المخدرات مستغل اقامته فى الفيلا وانه بعيد

عن الشبهات فبلغت وقلت الحكومه تتاكد وطلع صح الكلام
حرام انا مظلوم والله مظلوم فضلت ازعق بيها مين بس يسمعنى اسالوا قاسم بيه عنى كلموه للاسف قاسم بيه دخل فلا غيبوبه ونعبان جدا وهو فى المستشفى بعد اللى سمعه مالها الدنيا بتقفل ابوابها فى وشى بعد انها عيشتنى اجمل لحظات عمرى كان احلى حلم وللاسف الطريق اتقفلت ونطق القاضى بالحكم اشغال شاقه مؤبده مقدرتش امسك اعصابى انهرت واغمى عليا ونقلونى للمستشفى سكتت عن الكلام رفضت الحياه اللى ابتديت فيها على رصيف ودلوقت حتى الرصيف مش هاشوفه تانى اخدت شهر فى المستشفى وبعد ان اتحسنت نقلونى للسجن وابتدت حياتى الطويلة بين اربع جدران برضه بس من غير حريه او امل فى الحياه بطلت احلم او اتكلم كانوا بيسمونى هلال الاخرس وناس كانت مسميانى المظلوم لانى الصدمة افقدتنى النطق الدكاترة قالوا انها صدمة عصبيه ودى حاله نفسيه مش معروف امتى ممكن اخف منها قضيت عشرين سنه ظلم من حياتى شفت فيها كل انواع الذل والعذاب

وخرجت حسن سير وسلوك وعرفت وانا فى السجن من عم على الوحيد اللى فضل يزورنى فترة وبعدين انقطع عنى ومش شفته تانى انى قاسم بيه مات بعد حبسى بشهرين وانى ابنه باع كل ممتلكات ابوه فى مصر وسافر ومحدش يعرف عنه حاجه تانى خرجت اول مره للنور من تانى للرصيف اللى اتخيلت انى مش هشوفه تانى خرجت لقيت الدنيا اتغيرت الشوارع مش هى الشوارع والبيوت مش هى البيوت خدتنى رجلى للفيلا اللى عشت فيها وحلمت اجمل حلم كانت راحت مع اللى راح مكانها ابراج عاليه تحجب الشمس كل حاجه اتغيرت والدنيا بقت اصعب من زمان فضلت الف وادور على شغل كل اللى كان يعرف انى خارج من السجن يولى وشه للناحية التانيه وكمان اخرس كنت اسمعها كتير على الرغم انى اتعلمت صنعة حلوة فى السجن وكنت مبدع فيها كنت نجار موبليا رجعت للرصيف

من تانى تحت اى كوبرى انام وبالنهار الف وادور احيانا يحن عليا حد ويدينى حاجه امشى بيها حالى لكن شغل لا تهبت والدنيا اسودت فى عينى خلاص فكرت كتير فى الموت لكن مقدرتش كانت بتصعب عليا نفسى وبخاف انه يزعل منى ربنا كنت لما تضيق بيا الدنيا على الاخر اقعد تحت الكوبرى على النيل واناجيه واشكى ليه ضعفى وقلة حالى وفى يوم وانا قاعد تحت الكوبرى سمعت شباب كتيره بتتكلم رايحين الميدان دى فى مظاهرة كبيرة والدنيا مولعه هناك نار والكل مصمم يقضى على الظلم والفساد على الجوع والفقر بين الناس والعدالة يكون ليها مكان بين الناس مشيت وراءهم للميدان الدنيا كانت زحمه والكل بيهتف باحلى الكلام كلام يحرك المشاعر يخليها تنفجر افتكرت شريط حياتى كله شفت الدنيا بتتغير والناس رافضه يكون ليها مكان فوق الرصيف زى شفت الكل بينادى بالحياة لقيت نفسى بهتف معاهم باعلى صوتى وفضلت اهتف واهتف لانى بالتاكيد مش هشوف اللى شوفته من تانى

لما وصل لكده عم هلال سكت شويه بصينا ليه لقينا الدموع نازله من عينه على خدوده وكمل كلامه كنت خايف اموت ومحدش يعرف حكايتى وانى اتولدت مظلوم وعشت مظلوم فى الحياة ومنه لله اللى حطم حيلتى من غير سبب بس النهاردة انا فرحان انى قاعد على الرصيف بس وسط الميدان مش تحت كوبرى مدارى عن الناس بتكلم واطالب انى يكون ليا مكان فى دنيا جميلة غير دنيت زمان
وبكده خلصت الحكايه