وقف أب يريد أن يضرب ولده ليؤدبه
ثم نظر في عينيه و رأى الولد قد ذعر
فامسك الأب يده و حضن ولده
و قال له: يا بني لا تخف فضربي لك تأديب و ليس تعذيب.
فقال الولد: لقد رأيت جارنا يضرب أولاده حتى أنهم في بعض الأحيان ينزفون الدم من شدة الضرب
, فتذكرته و خشيت أن تضربني مثله...بابا ما راح أفعلها ثاني سامحني.
فقبله أبوه بين عينيه و قال : سامحتك , اذهب و صلى ولا تضيع صلاتك مرة أخرى.
ثم أطرق برأسه قليلاً يتذكر ما قاله ولده عن جارهم, و سأل الله أن يهديه.
فلما أذن للصلاة ذهب الأب للمسجد مصطحباً معه ولده , فرأى جارهم في المسجد يصلى التحية
, فانتظر الأب لبعد المكتوبة حتى يحدثه, و حاول أن يكون قريباً منه في الصف.
و بعد الصلاة و الأذكار قال لولده أن يجلس ليراجع محفوظه من كتاب الله ثم ذهب الأب إلى الجار يحيه
فرد التحيه فاستأذنه في بضع دقائق من وقته فسمح له على الرحب و السعة.
ثم حدثه.....
الأب : كيف حالك يا جاري الطيب؟
الجار : بخير و الحمد لله.
الأب : و كيف أولادك؟
الجار : لا بأس بهم الحمد لله.
الأب: لعلهم بخير , فمالي لا أراهم في المسجد.
الجار: هم صغار و أنت تعرف الأطفال يحبون اللعب.
تذكر الأب أن الكبير تقريباً في الجامعة و الصغير من عمر ولده في العاشرة.
الأب : هل الكبير في الجامعة بعد؟
الجار : لا , العام القادم إن شاء الله.
الأب: فهو ليس صغير إذن للعب.
الجار: أعنى يلعب الكرة مع أصحابه.
الأب: وقت الصلاة يلعب الكرة.
الجار"يضحك": يا راجل بكرة يكبر و يصلى في المسجد.
الأب: لكن الله أمر بالصلاة على كل بالغ و النبي صلى الله عليه و سلم أمرنا
بتعليمهم في السابعة و ضربهم عليها في العاشرة.
الجار: صلى الله عليه و سلم, أعمل إيه ولد قليل التربية.
الأب: و من رباه؟ و من أدبه؟
ففهم الجار مراده.
الأب أردف قائلاً: يا جاري الطيب, أولادك نعمه أنعم الله بها عليك , فلا تفرط فيها.
و أمسك بيد جاره , فقد علم أنه لا يضربهم للصلاة إنما لامور أخرى.
الأب: كم من عقيم يتمنى الولد؟
كم من أب عنده ولد معوق؟
كم من أب مات ولده؟
أولادك نعمه فقبل أن ترفع يديك علي أولادك لأنهم عصوك تذكر أنه سيرفع عملك
إلى الله جل و علا و سيسألك عنهم يوماً لأنك عصيته فيهم.
فما أحسنت تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة , و ما أحسنت معاملتهم ,
و ما رحمتهم بل قسوة عليهم و ضربتهم و أهملت صلاتهم و علاقتهم بالله جل و علا.
يا جاري المحترم...إذا أنت مت الساعة فما هو عذرك عند الله؟ ولدي الجامعي صغير.
و ولدي الأخر صغير لا يعقل!!!
يا جاري إذا مات ولدك الساعة فكيف بالله عليك ستضعه في القبر و أنت تعلم عاقبته.
..و أنت السبب , لأنك أهملته , بل و عاونته على ما كان عليه , من شراء المجلات الهابطة
و مشاهدة البرامج الفاجرة و المسلسلات الساقطة و الأفلام المجرمة و شراء الأغاني اللاهية
عن ذكر الله و إضاعة الأوقات في معصية الله و عدم شغل وقته بما ينفعه في الدنيا أو الآخرة.
قبل أن ترفع يدك على أولادك
ارفع الغشاوة عن عينيك و الغضب الشيطاني عن قلبك.
و انظر بعين الخبرة و المقدتي برسول الله صلى الله عليه و سلم.
قبل أن ترفع يدك على أولادك
تذكر أن ضربك لهم تأديب و ليس تعذيب و تتجنب الوجه و تتقي الله فيهم.
قبل أن ترفع يدك على أولادك
تذكر أنهم سيكبرون إن أحسنت إليهم أحسنوا إليك و إلى أولادهم و إذا أسأت إليهم
ربما يخرج منهم قليل العقل فيعاملك في كبرك بمعاملتك له في صغره , و زد على
هذا أنهم ربما اقتدوا بك فصار الولد اب و صار لا يعرف كيف يربي ولده إلا على الضرب ,
فيخرج جيل لا يرحم الصغير و لا يوقر الكبير و لا يع
ف حقوق الله عليه و لا يعلم عن دين الله إلا رسمه.
فاتق الله فيهم , تلك النعمة قد تكون سبب عتقك من النار لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" كل ابن آدم ينقطع عمله إلا من ثلاث" ...و ذكر منهم "و ولد صالح يدعو له"
بل و كل شئ تعلمه إياه في ميزانك , لقوله صلى الله عليه و سلم : الدال على الخير كفاعله.
و كذلك كل شئ هو يعلمه لزوجته و أولاده و من حوله في ميزانك لا ينقص من آجره شئ.
و رحمتك إياه قد تكون رحمه لك لقوله صلى الله عليه و سلم: ارحموا من الأرض يرحمكم من في السماء.
قبل أن ترفع يدك على أولادك
ارفع عنهم الجهل بالله جل و علا قال الله مبلغاً عن لقمان:
يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم.
فعلمه التوحيد و عرفه بربه و بنيه صلى الله عليه و على أله و صحبه و سلم
و أمور دينه و دنياه و تابعه و صاحبه ليصاحبك في الدنيا معروفا.
ثم تبسم الأب و قال لجاره : أزعجتك؟!
قال الجار: لا و الله بل أيقظتني من غفوة الجهل و التخبط, لا إله إلا الله ,
اللهم اغفر لي و ارحمنى , و الله يا أخي لساني يعجز عن شكرك , جعلها الله جلسه في ميزان حسناتك.
الأب يمسك بكتف صاحبه و يقول له: أيها الأخ الكريم الدين النصيحة
, و كلنا بحاجة إلى من يذكرنا بالله, فلا تنسني من دعائك.
و مرت أيام و سنين بعد هذه الجلسة الصالحة و حسنت سيرة
الجار و صلح الله أولاده و صاروا دعاة إلى دين الله .
ثم جاء يوم سماع خبر وفاة هذا الأب الكريم "صاحب الحوار"فاسرع جاره
يستأذن أهله بتغسيله فوافقوا لحسن العشرة بينهم بعد ذاك اليوم في المسجد.
ثم تقدم إمام المسجد ليصلى على أبوه صلاة الجنازة, نعم لقد صار الولد الصغير رجل من علماء المسلمين و نظر خلفه ليسوى الصفوف ليجد المسجد قد امتلاء بالرجال و الشباب و الأطفال و في قسم النساء عرف من أمه و زوجته و ابنته فيما بعد أنه كان عن آخره.
بل و لقد اغلق الطريق المؤدي إلى المسجد لازدحام الناس عليه لصلاة الجنازة على هذا الأب الذي طالما دعى إلى الله على بصيرة بدينه و بالدعوة إليه و أمر بالمعروف و نهى عن المنكر و طالما أجهد نفسه في إصلاح بيوت المسلمين و تحذير الناس من البدع و الخرافات و الغلو و مكائد الشيطان و مكائد أعداء الإسلام.
و كان أخر عهده مؤذناً للصلاة بالمسجد فافتقد الناس صوته جداً, ثم طلب الناس
من جاره أن يرفع الأذان بعد ذلك ليذكرهم بصاحبه رحمه الله.
الحمد لله و إنا لله و إنا إليه راجعون
اللهم أجرنا في مصيبتنا و أخلف لنا خيراً منها.